أخبار المدينة بين يديك


https://www.facebook.com/aiouninfo/info/?tab=page_info

الأربعاء، 8 أغسطس 2012

فضل العشر الأواخر من رمضان


نقلا عن موقع العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو
سم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من حكمة الله جل جلاله أن جعل في الأزمنة والأمكنة مواسم للخير يضاعف فيها الحسنات ويرفع فيها الأجور، وقد جعل الله شهر رمضان أفضل شهور السنة وضاعف فيه الحسنات للمؤمنين، ولذلك تفتح فيه أبواب الجنة وتوصد فيه أبواب النار وتصفد فيه مردة الشياطين، ويقال فيه: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
ومع ذلك فرمضان متفاوت في الفضل، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في العشر الأوائل منه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلبه أمامك، أي الفضل الذي تطلبه ليس في هذه العشر الأوائل، فاعتكف في العشر الأواسط فقال: إن الذي تطلبه أمامك، فاعتكف في العشر الأواخر من رمضان ولم يزل يعتكف فيها حتى لقي الله كما في حديث عائشة رضي الله عنها واعتكف نساؤه من بعده.
والعشر الأواخر من رمضان هي أفضله، ولياليها أفضل من أيامها، وتقابلها في السنة العشر الأوائل من ذي الحجة، فعشر ذي الحجة أفضل أياما وعشر رمضان أفضل ليالي، فليالي العشر الأواخر من رمضان فيها ليلة القدر، وأيام العشر الأوائل من ذي الحجة فيها يوم عرفة، هو أفضل أيام السنة، وهذه العشر الأواخر بالخصوص لها مزية كبيرة وهي وجود ليلة القدر فيها ووجود ليلة المغفرة، ليلة العتق وهما ليلتان في العشر الأواخر من رمضان.
أما ليلة العتق فهي الليلة الأخيرة من رمضان لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى يعتق الصائمين والصائمات في آخر ليلة من ليالي رمضان من النار، فقيل: أليلة القدر هي، قال: لا ولكن العامل إنما يوفى أجره عند نهاية عمله، وهذا يدل على أن الليلة الأخيرة من رمضان دائما ليست ليلة القدر وإنما هي ليلة العتق، سواء كانت وترا أو شفعا كما إذا كان رمضان تسعة وعشرين يوما والليلة التاسعة والعشرين هنا ليست ليلة القدر وإنما هي ليلة العتق، وإذا كان شفعا فكذلك إذا كان رمضان ثلاثين يوما فليلة الثلاثين هي ليلة العتق، وليست ليلة القدر، وليلة القدر مختلف في معنى القدر الذي نسبت إليه فقيل: معناه الشأن لعلو قدرها وتعظيمها شرعا، وقيل معناه تقدير الأمور لأنها فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عند الله جل جلاله، وعلى كلا المعنيين هي ذات فضل ومنزلة عظيمة، وقد خص الله بها هذه الأمة وشرفها بها، ففيها كانت بداية نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في غار حراء، وقد قال الله فيها:
وهذه الليلة فضلها الله على ألف شهر، قال: خير من ألف شهر، وخير صيغة أفعل التفضيل في الأصل فأصلها أخير، ولكن لكثرة الاستعمال حذفت منها الهمزة كما قال ابن مالك:
وغالبا أغناهم خير وشر وهي خير من ألف شهر بزيادة غير محصورة، فالخيرية لا تقتضي حصرا، وعلى هذا فإن الإنسان إذا وفق لقيامها فكأنما قام ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر وهي مدة طويلة يزداد بها عمر الإنسان لأن فائدة العمر إنما هي الطاعة، وإذا وفق لها وتقبلت منه فكأنما زيد عمره بهذا القدر الكبير من السنوات، وهذه الليلة مختلف كذلك فيها، فقيل: هي في السنة وقد أخفيت فتدور في السنة، ولكن الراجح أنها مختصة برمضان وبالأخص بالعشر الأواخر منه، أما اختصاصها برمضان فبدلالة قول الله تعالى:
والذي يبدو أن هذه الليلة في العشر الأواخر من رمضان وهي في أوتارها، ولكنها متنقلة، فتارة تكون في ليلة الحادي والعشرين وهي أول العشر الأواخر وتارة تكون في الثالثة والعشرين، وتارة تكون في الخامسة والعشرين، وتارة تكون في السابعة والعشرين وتارة تكون في التاسعة والعشرين وإنما أخفاها الله سبحانه وتعالى ليقع التنافس في البحث عنها فهي كساعة الجمعة، وكالاسم الأعظم، ونحوها من اللواتي أخفاها الله سبحانه وتعالى وقد نظم بعضهم بعضها بقوله:
وأخفيت الوسطى كساعة جمعةوهذه العشر الأواخر هي فرصة الإنسان للفوز في رمضان فرمضان مجال للتنافس، وكثير من الناس يستشعر هذا التنافس فيبدأ من بداية الشهر فلا يفيت منه شيئا، فتكتب له العشر الأوائل بكل ما فيها من الخير، ثم العشر الأواسط، ثم يكمل العشر الأواخر فيكون من الفائزين الذين كان هذا الشهر جميعا في ميزان حسناتهم فصاموا وقاموا وتصدقوا وختموا القرآن وأنفقوا ولزموا المساجد واعتكفوا فأحرزوا الفضل العظيم والأجر الكثير، ومنهم من يغفل ويعتمد على التسويف فلا يزال يقول: أنتظر فرصة أخرى حتى يفوت الأوان فيقضي الموت على آماله، ولم يكتب له ما كان يريده أو ينتهي رمضان فينقلب من الخاسرين الذين
ومن هنا فمن كان في عمل مستمر عليه أن تبقى عليه سكينة رمضان وعمله، لكن إذا كان في اعتكافه تعطيلا لعمله فيحتسب عمله في بدل الاعتكاف ويستمر عليه خدمة لدينه وللمسلمين ويكتب له أجر المعتكف لأنه إذا لم يمنعه من الاعتكاف إلا عمله الذي فيه خدمة للدين وخدمة للمسلمين، فإنه يثاب عليه على قدر نيته ونية المؤمن أبلغ من عمله، وهذه العشر الأواخر جرب فيها سهولة التوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، فكثير من العصاة وكثير
وهذه الجبهة مخففة في رمضان لأن مردة الشياطين وهم أقواهم وأعتاهم يصفدون فيكتفون فلا يصل ضررهم إلى الإنسان إلا بالوسواس من بعيد، وإن كان من سواهم من الشياطين من غير المردة يبقون على تصرفهم، وبذلك يقع الجنون وتقع الكبائر والآثام في رمضان من العصاة لأن بقية الشياطين من غير المردة غير مصفدين.
والجبهة الثانية هي جبهة النفس الأمارة بالسوء، فالنفس إنما تكون خطرا على الإنسان إذا اتبعت هواها، والهوى مما يرده الصيام فهو صبر عن الشهوات والملذات، وانقطاع عن اتباع الهوى، وكذلك الاعتكاف فإنه مانع للإنسان عن متابعة شؤون حياة الناس وأمورهم، والمعتكف لا يشتغل بمتابعة أخبار الناس ولا بالسؤال عن أمورهم كما في حديث عائشة أنها كانت تدخل البيت وفيه المريض من أهلها فلا تسأل عنه إلا وهي منطلقة، فلذلك يستطيع الإنسان التغلب على هواه ونفسه الأمارة بالسوء والانتصار على هذه الجبهة في هذه العشر وفي هذا الشهر.
ثم الجبهة الثالثة هي قرناء السوء، وهم منشغلون عن الإنسان في صيامه واعتكافه، لأنهم عادة لا يأوون إلى الإنسان إلا لقصد المطاعم والمشارب والملذات والشهوات، وإذا كان الإنسان بعيدا عن ذلك فسينقطع عنه قرناء السوء وهم عدو له لأنهم جبهة مفتوحة عليه، كما قال الله تعالى:
والجبهة الرابعة هي مفاتن الحياة الدنيا، فهذه الدنيا هي دار الغرور، وهي ضرة الآخرة، لكن الإنسان عندما يخرج من عمله ومن وظيفته ومن بيته وينفرد في المسجد لعبادة الله جل جلاله وينقطع عن أخبار العالم فإن هذه الجبهة ستغلق عنه بالكلية، وتتعطل عنه، فلا يعنيه متابعة يومياتها وشؤونها، لانشغاله بالطاعة، ولشغل وقته وملئه بالعبادة.
والجبهة الخامسة هي نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان مما آتاه من الأهل والمال، والأولاد وغير ذلك وهذه جبهة عظيمة، لأن كثيرا من الناس لا يشكرونها لله سبحانه وتعالى، ولذلك فإن هذه الجبهة قائمة وفيها كثير من الفتن كما قال الله تعالى:
القسم الأول الذين لا يعرفون النعمة بوجودها وإنما يعرفونها بزوالها، وهؤلاء لا يمكن أن يشكروا نعمة الله أبدا، لأنهم ما عرفوها إلا بعد زوالها ومفارقتها، فحظهم منها الندم حيث لا ينفع الندم.
والقسم الثاني الذين يعرفون النعمة بوجودها لا بزوالها، ولكن لا يعرفون من أين أتت، فهم يظنون أنها من كسبهم وجدهم وجدهم واجتهادهم، كحال قارون الذي قال:
والنوع الثالث من الناس في النعم الذين يعرفون النعمة بوجودها لا بزوالها، ويعرفون أنها من عند الله لا من تلقاء أنفسهم، ولكنهم ينشغلون بالنعمة عن شكرها، فهم مشغولون بالسعي لزيادة المال وبالتمتع بالأهل وغير ذلك من متابعة المصالح، وهؤلاء حالهم حال المخلفين من الأعراب كما قال الله تعالى:
والنوع الرابع من الناس الذين يعرفون النعمة بوجودها لا بزوالها، ويعرفون أنها من عند الله لا من تلقاء أنفسهم، ولا ينشغلون بالنعمة عن شكرها، بل يصرفونها في مرضاة من أسداها وأنعم بها، وهم الشاكرون وهم أقل عباد الله، كما قال الله تعالى:
فلذلك لا بد أن يتذكر الإنسان ما فرط فيه في جنب الله، وأن يتذكر أن الفرصة مواتية الآن للتوبة، وأن يري الله من نفسه خيرا، والله ينادينا نداء كريما عاما شاملا فيقول:
ونهاية رمضان مذكرة للإنسان بنهاية عمره، فقد كان رمضان مولودا جديدا وقد كان الإنسان ينتظره من بدايته، والآن قد انتهى وانقضى وتصرمت أيامه ولياليه، ووقف بثنية الوداع وهم قبلي مزنه بالإقلاع، فهو مؤذن بانصرام العمر وانقضائه وفي ذلك عبرة للمعتبرين وتذكرة للمتذكرين ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يختم لنا بالحسنى وأن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق